روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | فريضة الحج‏...‏وتحقيق الأمن والأمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > فريضة الحج‏...‏وتحقيق الأمن والأمان


  فريضة الحج‏...‏وتحقيق الأمن والأمان
     عدد مرات المشاهدة: 2241        عدد مرات الإرسال: 0


إن فريضة الحج إلي بيت الله الحرام‏، ركن من أركان الإسلام‏، ويتجلي فيها مبدأ الأمان بأجلي صوره‏، فمن شروط وجوب الحج‏:‏ الإستطاعة وأمن الطريق‏، فمن لم يستطع أو لم يكن آمنا علي نفسه أو ماله أو عرضه في الطريق لا يجب عليه الحج‏.

وفي تأكيد الشريعة الغراء أمن الطريق لضيوف الرحمن ما يقرر أن الأمان من أهم حقوق الإنسان، بل إن المؤمن الكامل في إيمانه هو من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

وأن المسلم الكامل في إسلامه من سلم المسلمون من لسانه ويده.

وكما أن أمان الطريق من شروط وجوب الحج، فإن الذي يتمعن في زمان الحج ومكانه وأحكامه يري أن الأمان من أبرز معالم هذه الفريضة.

أما زمن الحج فنلاحظ أن الله تعالي جعله من الأشهر الحرم فشهر ذي القعدة الذي نشد فيه الرحال إلي بيت الله الحرام من الأشهر الحرم، وشهر ذي الحجة الذي تؤدي فيه الفريضة من الأشهر الحرم، وشهر المحرم الذي يعود فيه ضيوف الرحمن إلي أوطانهم من الأشهر الحرم، فجعل الله تعالي زمن اداء فريضة الحج زمنا حراما يحرم فيه القتال، ليأمن فيه ضيوف الرحمن.

وكما جعل الزمان أمانا جعل أيضا المكان أمانا، فنري البيت الحرام آمنا ومن دخله كان آمنا، بل كان الرجل قديما يلقي فيه قاتل أبيه فلا يتعرض له بسوء احتراما لحرمة المكان ولأنه حرم آمن قال الله تعالي: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا.

فنري الزمان الذي تؤدي فيه الفريضة آمنا ونري المكان آمنا، ونري الإنسان آمنا، وجعل اللقطة آمنة، فلا يصح لمن وجد شيئا ضائعا مهما كان نفيسا أن يأخذه ولا أن يلتقطه إلا إذا كان سينشد صاحبه ويعرف بالشيء الذي وجده، كما جاء في الحديث «ولا تلتقط لقطته إلا المنشد» كما جعل الله تعالي شجر الحرم ونباته والحشيش الذي ينبت في الأرض آمنا كما جاء في الحديث: «ولا يختلي خلاه» بل جعل الشوك آمنا «ولا يعضد شوكه» أي لا يقطع فيكون كل شيء آمنا.

وان ضيوف الرحمن حين يعودون من رحلة الحج المباركة وقد تعودوا علي قيمة الأمان وهم يمارسون مناسكه لا شك أنهم يحافظون علي أمن الإنسان وعلي أمن الأوطان، ويقومون بنشر الأمن في كل زمان وفي كل مكان.

ولا ريب أن المجتمعات الإنسانية في هذه المرحلة الراهنة في أمس الحاجة إلي إستتباب الأمان، ومكافحة الإرهاب الذي إستشري في كثير من بلادنا، وها نحن نري أن العبادات في الإسلام ترسي في العباد والبلاد معني الأمان، فكما أرست عبادة الحج معني الأمان، فان عبادة الصلاة ترسي أيضا معني الأمان والتواد والتآلف بين العباد حين يؤدونها في جماعة، وحين يتلاقون في بيوت الله فيستشعرون معني الألفة والترابط والتعارف والتآلف مما يزيد وشائج التواصل ويؤكد معاني الأمن والمودة بين الناس.

ويتجلي هذا المعني أيضا في عبادة الزكاة والصيام وغير ذلك من الطاعات التي تغرس الأمن والطمأنينة، والود والسكينة بين الناس، والناس في هذه الآونة يتهددهم الإرهاب بصوره البشعة التي وقع ضحيتها كثير من أبناء الأوطان، مما يستوجب علي الخطاب الديني في هذه المرحلة وعلي الدعاة أن يضاعفوا جهودهم لنبذ الإرهاب وبيان خطره علي الأمة، فالإرهاب من أبشع الجرائم التي تهدر حق المجتمعات في الأمن وفي الإستقرار، وتهدر حق النفس، ولذلك كان الوعيد الشديد لمن يعتدي علي النفس الإنسانية في الحياة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أبي الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة» رواه الطبراني في معجمه الكبير، والحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة.

وسبب ورود هذا الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث سرية، فأغاروا علي قوم فشذ رجل منهم، فإتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال إني مسلم فقتله، فنما إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال قولا شديدا ثم ذكر الحديث.

وقد أخرج هذا الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم سرية فأغارت علي قوم فشذ مع القوم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه، فقال الشاذ من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله فنما الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينما رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، قال فأعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته، ثم لم يصبر حتي قال الثالثة، والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه فقال: «إن الله أبي علي من قتل مؤمنا ثلاثا»، رواه النسائي.

ولاشك أن الإرهاب من أكبر الكبائر وأخطر الجرائم إذا تفشي في بيئة نشر الرعب والفزع وقضي علي الأمن والإستقرار، وأشاع الشحناء والبغضاء، وقضي علي الروابط الإنسانية، ورمل النساء، ويتم الأطفال قال الله تعالي: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة:32]

من هنا كان واجب الأمة أن تناهض ظاهرة الإرهاب وأن تضاعف جهودها في نشر الأمن والأستقرار مستوحية من عبادات الإسلام كالحج وغيره ما في أسرار العبادات وحكمتها من دعوة إلي الأمان والطمأنينة والرحمة والسكينة.

الكاتب: د‏.‏أحمد عمر هاشم.

المصدر: جريدة الأهرام المصرية.